مراجعة رواية "ضحكت تاني" للكاتب موسى برهومة

صراع بين الموت و الرغبة في الحياة

مراجعة رواية ضحكت تاني
مراجعة رواية ضحكت تاني

ماذا لو تجسد الموت أمامك حقيقة ؟ لو أن الحجاب بينك و بينه قد أزيل لوهلة ، و تبين لك دون خوف أو هلع أنك راحل لا محالة وكل شيء يؤكد نظرية زوالك للأبد ... أكنت لتحارب لتفلت من أنياب الموت إيمانا منك أن الحياة إختيار ؟ أم كنت سترضح دون نزاع ؟ أيهما ستكون بعد عمر طويل سيدي القارئ ؟ و أيهما كان 'وائل عبد الكريم' أناجيا أم ضحية ؟

ضحكت تاني هي القصة و العنوان و الرسالة معا . فالكاتب "موسى برهومة" صنع قالبا روائيا ممتعا يدور حول أغنية 'العندليب' لعبد الحليم حافظ. "ضحكت تاني" منذ بداية قصته معها وهو قعيد سريره في المستشفى متجاهلا أي إزعاج خارجي و نداء الممرضين المستميت له بتناول وجبة إفطاره لأخد العلاج. فالأغنية هي إن جاز التعبير رسالة ربما من الكون للبدء من جديد و طرح تساؤل إرتباط إحساسه الوجودي بدوافع البحث عن هذه الأغنية بالذات.

يصف 'وائل' نفسه بأنه يعمل "كالحمار" أو "كالماكينة" متجاهلا آلامه النفسية و شوقه لوطنه و كذلك ومضات كهربائية تظهر و تخفت في جانب صدره الأيسر ، في محاولة يائسة منه لإستكمال حياته بنفس الوتيرة كمحارب لتحقيق حياة كريمة له و لأبنائه ، غير أن الألم لم يسمح له بالمزيد من المماطلة. ليرديه أرضا في يوم سبت كان يتمنى لو أنه مجرد سبت مليء بالكسل كسابقيه.

غير أن القدر أراد أن يتخد منحى آخر و يلج المستشفى كمريض قلب أصيب بجلطة قلبية. و يتم نصحه بإجراء قسطرة في اليوم الموالي. لقد حاول جاهدا لأسابيع أن يفسر مرضه بأنه قلق أو تعب أو إرهاق. إلا أن التحاليل الطبية وضعته أمام الأمر الواقع ، بأن قلبه مريض وولوج غياهيب سراديب المستشفى ليس بإختيار.

في اليوم الموالي حاول الممرضون تهدئة 'وائل عبد الكريم' بطل الرواية من هواجس كثيرة سمعها بصدد عمليته و ما زاد الطين بلة كان تأخر الطبيب عن موعده دون تقديم أعذار 'لوائل' المنتظر في قاعة العمليات ، مما زاد جرعة قلقه.

إنه رغم كل شيء يتمنى أن تكون هاته آخر الآلام و يعيش بسلام ويهتم بأهله و حديقته و يستجيب لإلحاح أصدقائه للإحتفال بالعام الجديد في "دبي" مرددا "لسه الأماني ممكنة" للمطرب محمد منيب.

تقييم قارئ الكتب :

3 stars
3 stars

شكرا لبلوغك نهاية مراجعتنا نتمنى أن تكون مفيدة لك. دعني أسألك الآن. هل قرأت الكتاب من قبل ؟ ما تقييمك للكتاب؟ ما رأيك في ما أشرنا إليه؟ أينقصنا معلومة مهمة في نظرك لم نشر إليها؟

ملاحظة :

- إن لم تقرأ الرواية من قبل نشجعك على فعل ذلك. فقد يكون التلخيص مفيدا لكن الرواية ممتعة و الإبحار في الأحداث و تفاصيل الصفحات لا يمكن الإستغناء عنه.

الرأي الشخصي :

للرواية طابع فلسفي سلس لا يخلو من تساؤلات جوهرية و آراء فلاسفة عظام و أفكار بسيطة مغرية بالقراءة. كما أن تطور الشخصية الرئيسية عبر القصة يجعل القارئ ينضج معه و يدرك و إن لم يواجه نفس الحدث رهبة الموت. و يستوعب أن ما الحياة إلا زوال فلنعشها بسلام و مزيد من الإمتنان.

حرق لأحداث الرواية !

warning
warning
warning
warning

و كما تعلم ، فإن المرء لا ينال كل ما يتمناه. فوائل لم يسمح بإزالة شعر صدره بالكامل و دراعه و ساقه ، مما أدى إلى ولوج جرثومة عنيدة إلى مجرى دمه لتتوالى بعدها النكبات ، بدأ بتعفن بسيط في جرح ذراعه و إرتفاع حرارته بشكل مبالغ فيه ومقاومة جسمه للمضادات الحيوية و هلوساته المتكررة التي كان يتلوها على الممرض متى سمحت بذلك طاقته

و إشارة الطبيب لزوجته بتوقع أسوأ الإحتمالات ... غير أن رأيته لأمه المتوفاة في أحد هلوساته جعله يعيد التفكير و يقرر الا يستسلم للموت. كما أنه لا يريد أن يجعل طفله يتيما كما كان هو ، لأنه عالم بمرارة الأمر ولا يريد لصغيره أن يجربه أيضا.

ورغم هذا ، فمؤشراته الحيوية كانت و لا تزال لا تحسن و جسده كالجمرة ملتهب تماما. فما كان من الأطباء كمحاولة أخيرة لإنقاده. إلا أن قاموا بتبريد جسده بالثلج و إعطائه جرعات ضخمة من المضادات الحيوية ، و إنتظار إستجابة جسده ... إن الأمر رهين كله الآن به. إن 'وائل' يرى الموت كما وصفها "سقراط" : "كالنوم ولكن لا تتخلله الأحلام". و للطف الأقدار إنحسرت الجرثومة داخل رئته و إستفاق أخيرا مما كان فيه. لقد نجا و إنتصر.

أن وائل وبعد مواجهته للموت ورغبة منه لترك أثر عبر الأزمنة وجها لوجه جعله ذلك يطرح تساؤلات عدة منها " من أنا ؟" و "لماذا وجدت ؟" و "من أين جئت؟" و "إلى أين أذهب؟".

ولكونه شخصا مهووسا بترك بصمته فقد قرر الكتابة ، علاجه الفعال و البصمة التي قرر أن يتركها يوما خلفه للعالم.قرر أيضا أن لا وقت بعد الآن للخيبات و التوقعات الزائدة و فكر مليا في عدم السماح لأحد بأن يسقيه مرارة الألم و يتجنب الغضب و القلق وفهم أخيرا إن قاعدة 90/10 كانت حقيقية. لكون 10% هي الأحداث الغير متحكم فيها. و 90 % ما هي إلا ردات أفعالنا التي تغير كل شيء. لقد أصبح 'وائل' أكثر هدوءا و إتزانا و محاولا العيش بسلام من أجله و من أجل صغيره.

يمكنك رؤية الموت في الرواية تقتات على جسد 'وائل' رويدا رويدا و ترى كذلك الحياة من خلال التحدي و الأمل و النهوض مجددا رغما عن أنف الجميع. إنك ببساطة ترى تناغم لحنيهما رفقة البطل في رحلة سردية نحو المزيد من الهدوء و العقلانية. إنها تجسيد بسيط لبطل تحدى الموت بأغنية و أعلن إنتصاره عليها مؤكدا أن الحياة إختيار.